الموضوع الأول
قيل "إن الرياضيات هي العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين في كل الأحوال" إذا بدت لك هذه الأطروحة فاسدة و مع ذلك طلب منك تبنيها فما عساك تفعل ؟
الموضوع الثاني
إذا كانت الحرية مشروطة بالمسؤولية فهل الانسان حر أم مقيد؟
الموضوع الثالث
النص
من حق علوم الفكر أن تحدد بنفسها منهجها بحسب موضوعها. فعلى العلوم أن تنطلق من أعم مفاهيم المنهجية ، وتسعى إلى تطبيقها على مواضيعها الخاصة فتصل بذلك إلى أن تنشئ في ميدانها المخصوص مناهج ومبادئ أكثر دقة على غرار ما حصل بالنسبة إلى علوم الطبيعة. وإننا لا نبين أننا التلاميذ الحقيقيون لكبار العلماء إن نحن اكتفينا بأخذ المناهج التي توصلوا إليها ، ونقلناها نقلا إلى ميداننا ، وإنما نكون تلاميذهم بحق حين نكيف بحثنا مع طبيعة مواضيعه فنتصرف إزاء علمنا تصرفهم إزاء علمهم . إن التحكم في الطبيعة يكون بالامتثال لها. وأول ما يميز علوم الفكر عن علوم الطبيعة أن علوم الطبيعة موضوعها وقائع تبدو للوعي كما لو كانت ظواهر بعضها بمعزل عن بعض من الخارج ، والحال أنها تبدو لنا من الداخل واقعا ومجموعة حية أصلا. والحاصل من هذا أنه لا يوجد في العلوم الفيزيائيّة والطبيعية مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات ؛ أما في علوم الفكر فان مجموع الحياة النفسية يمثل قي كل مكان معطى أوليا وأساسيا. فالطبيعة نفسرها، والحياة النفسية نفهمها
ذلك أن عمليات الاكتساب و مختلف الطرائق التي تترابط بواسطتها الوظائف – وهي العناصر الخاصة بالحياة الذهنيّة- فتشكل كلا ، تمدنا بها أيضا التجربة الداخلية. وهنا نجد أن المجموع المعيش هو الشيء الأولي ، أما التمييز بين الأجزاء التي يتكون منها فلا يأتي إلا في المرتبة الثانية. يترتب على ذلك أن المناهج التي نعتمدها لدراسة الحياة الفكرية و التاريخ و المجتمع مختلفة أشد الاختلاف عن المناهج التي أدت إلى معرفة الطبيعة
اكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص
الأجوبة
تمرين الأول
مقدمــــة :
يراد بالرياضيات ذلك العلم العقلي الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس و المقدار يسمى كما و الكم نوعان : متصل
( الهندسة ) و منفصل ( الحساب ) لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط هذا المفهوم فإن اختلافهم سجل حول مصداقية الرياضيات و هذا ماجعل الكثير منهم يؤسسون اعتقادا خاطئا و تمثل في الإقرار بأن تعدد الأنساق في الرياضيات يعد تعبيرا عن نسبيتها في اليقين ( أنصار النسق الأكسيومي ) بينما الصواب يكمن في ماذهب إليه أنصار الهندسة الإقليدية و الذين أقروا بمطلقيه المفاهيم الرياضية في كل الأحوال
لذا فكيف يمكن التأكيد على صدق هذا الطرح و القائل بأنها ( العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين ) ؟ و ماهي أهم الحجج و البراهين المؤكدة لهذا الطرح ؟ بل ماهي أهم الأخطاء المعرفية و المنطقية التي وقع فيها المخالفون لهذا الاعتقاد ؟
التــــوسيع :
تؤكد الأطروحة منطق أنصار الرياضيات الكلاسيكية القائل بأن الهندسة هي العلم الوحيد من العلوم التي أبدعها الإنسان التي تنتج نتائج معصومة عن الخطأ و أن العمليات الحسابية ترغم الدارس على تقبل صدق نتائجها و مطلقيه الرياضيات هي ناتجة عن اعتمادها لمبادئ العقل الفطرية و كذلك فكرة البداهة و البديهية هي قضية يقينية بذاتها صادقة صدقا مطلقا و لاتحتاج إلى برهان لأنها تدخل في نسيج الفكر البشري و هذا مايعد نفيا لكل اعتقاد قائل بنسبية النتائج الرياضية في اليقين لأن الإقرار بذلك يعد بداية لأزمة اليقين في العلم كما أن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم لأنها تتميز بالدقة و ليس لكونها تتميز بالنسبية .
إن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم لأن الفيزياء أو البيولوجيا قد تبنت خطوات المنهج التجريبي لكن وقعت في مشكل النسبية و هذا ماجعلها تبحث عن تبني المنهج الرياضي من أجل بلوغ الدقة التي حققتها الرياضيات ، من المبادئ التي طرحها إقليدس نجد التعريفات ( التركيبي و التحليلي ) و الواقع أثبت أمه ليس بإمكان أي كان أن يشكك في مصداقية التعريف الذي قدمه هذا الأخير عن المثلث أيضا من المبادئ التي اعتمد عليها إقليدس نجد فكرة البداهة و التي تعد قضايا يقينية صالحة لكل زمان و مكان لأنها تتماشى مع الانسجام الذهني و المبادئ الفطرية التي يمتلكها العقل
أكد ديكارت قيمة اليقين الرياضي من خلال دفاعه على فكرة البداهة و من خلال تأسيسه المنهج الرياضي الحديث و الذي اعتمد فيه على أربعة قواعد أساسية ( البداهة ، التحليل ، التركيب ، الإحصاء ) و في ذلك يقول ديكارت " لاأقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا"
قيمة اليقين الرياضي و البداهة أكدها اسبينوزا من خلال إشارته إلى كون البديهية هي معيار الصدق و معيار الكذب أي أن الرياضيات مادامت معتمدة للبديهية كمبدأ لها فإنه من غير المعقول أن تأسس لأفكار خاطئة و كذلك أكد ليبنتز أنه لايمكن الشك في قيمة الرياضيات لأنه لايمكن الشك في قيمة البداهة لأن الشك في صدق البديهية يعد شكا في مصداقية مبادئ العقل الفطرية و كتعبير عن كل هذا يقول باسكال " إن الهندسة هي العلم الوحيد من العلوم الإنسانية التي تنتج نتائج معصومة عن الخطأ "
3/ نقد الأطروحة :
عرض منطق الخصوم :
لكن في المقابل للأطروحة التي نحن بصدد الدفاع عنها نجد منطقا معارضا أسسه أنصار النسق الأكسيومي و الذين أكدوا بأن الرياضيات لكي تصير لغة لكل العلوم هي ملزمة بأن تتخلى عن فكرة البداهة و المطلقية في اليقين لصالح النسبية ( هوسرل ) ، لقد أكدوا أن تعدد الأنساق في الرياضيات يعد تعبيرا عن تجاوز الهندسة الإقليدية ( بولغان ) إن أهم شيء كانت تفتخر به الرياضيات قد حطمته نظرية المجموعات التي طرحها جورج كانتور ( تحطيم البداهة ) حيث أن ظهور النسق الأكسيومي أدى إلى تصحيح تلك الأخطاء التي وقع فيها إقليدس ( هندسة ريمان و لوباشفسكي )
ب / نفيه :
لكن مايأخذ على طرح هؤلاء أنهم ربطوا قيمة الرياضيات بالنسبية لكن الصواب يكمن في أن تغيير مبادئ هذا العلم يعد بداية لأزمة اليقين لأن تلك العلوم أصبحت تتبنى المنهج الرياضي لم ترد من ذلك تحقيق النسبية لأنها أصلا نسبية بل هي تريد من ذلك أن تحقق اليقين الذي شاهدت وجوده في الهندسة الإقليدية القائمة على المنهج الاستنباطي .
كما أن التعدد في الرياضيات الذي يبدو من ظاهره تجاوزا للهندسة الإقليدية إنه في الأصل مجرد افتراضات أو انساق لاقيمة لها لأنه ماتفسيرنا لاعتماد الهندسة الإقليدية في الدراسات المعاصرة كذلك لأن تحطيم فكرة البداهة هو تحطيم لمبادئ العقل الفطرية و هذا مالا يتقبله العقل لأنه قد جن من اعتقد أن الجزء أكبر من الكل .
كذلك إن الاعتقاد بوجود جملة من الأخطاء في الهندسة الإقليدية هو اعتقادخاطئ لأن الواقع يثبت أن مجموع زوايا المثلث 180 °
خاتــــمة ( حل المشكلة ) :
يمكن التأكيد أن الرياضيات تعتمد منهجا عقليا إستنتاجيا مراعيا لمبادئ العقل الفطرية هذا ماجعلها تتميز بالدقة و اليقين و رغم التطور الذي عرفه الفكر الإنساني و الذي تميز بظهور النسق الأكسيومي و الذي يعد نموذجا عن الرياضيات المعاصرة إلا أن هذا لا يعد تجاوزا لمطلقية المفاهيم الرياضية لان الإقرار بفكرة النسبية يعد تجاهلا لمبدأ البداهة و هذا مالا يتقبله العقل و هذا يعني أن الأطروحة القائلة بأن الرياضيات هي العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين صادقة و جديرة بالدفاع عنها و كل أطروحة مخالفة لها فهي باطلة و لا يمكن الأخذ بها .
تمرين التاني
الطريقة جدلية
تعتبر الحرية من أهم القضايا الفلسفية الشائكة والتي دار حولها جدل كبير فهي مشروطة بالمسؤولية . وتعني الحرية تجاوز القيود الذاتية الداخلية والقدرة على تنفيذ الفعل موضوعيا خارجيا فهي غياب الإكراه . وعليه اختلف وتناقض الفلاسفة حول الحرية، فهناك من يثبتها ويرى بأن الانسان حر حرية مطلقة وهناك من ينفيها ويرى بأن الانسان مقيد غير حر . وعليه نتساءل اذا كانت الحرية مشروطة بالمسؤولية فهل الانسان حر أم مقيد؟
يرى أنصار الاثبات والاختيار وعلى رأسهم أفلاطون والمعتزلة وديكارت وكانط وكذا بيرغسون وسارتر أ، الحرية مبدأ مطلق لا يفارق الانسان وبه يتخطى مجال الدوافع الذاتية والموضوعية ويستدلون على ذلك اذ يعبر أفلاطون في صورة اسطورته لهذا المبدأ أن آر الجندي الذي استشهد في ساحة الشرف يعود الي الحياة من جديد بصورة لا تخلو من المعجزات فيروي ويصف لأصدقائه الأشياء التي تمكن من رؤيتها في الجحيم حيث ان الأموات يطالبون بأن يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم وبعد ذلك يشربون من نهر النسيان ليــثا ثم يعودون الى الأرض وفيها يكونوا قد نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون في اتهام القضاء والقدر في حين أن الله بريء وتعالى الله على ذلك علوا كثيرا.
أيضا ترى المعتزلة أن شعور المرء دليل على حريته وهي منحصرة في قرارة نفسه ، اذ يقولون ” فهو يحس من نفسه وقوع الفعل على حسب الدواعي والصوارف فاذا أراد الحركة تحرك واذا أراد السكون سكن “، ويعتقدون بأن القول أن الانسان مسؤول وحاسب على أفعاله دليل على عدل الله .
كذلك يرى ديكارت من خلال قوله ” ان حرية ارادتنا يمكن أن نتعرف عليها دون أدلة وذلك بالتجربة وحدها التي لدينا عندها”.ويذهب كانط الى أن الحرية علية معقولة متعالية عن الزمن ومفارقة له ولا تخضع بأي حال لقيود الزمن. لا اكراه ولا الزام وأن صاحب السوء هو الذي يكون قد اختار بكل حرية تصرفه منذ الأزل بقطع النظر عن الزمن. وهذا بيرغسون يرى أن الحرية هي عين ديمومة الذات والفعل الحر يصدر في الواقع عن النفس وليس عن قوة معينة تضغط عليه فالحرية عنده شعور وليست تفكيرا اذ يقول: ” الفعل الحر هو الذي يتفجر من أعماق النفس” وأيضا يرى سارتر أن وجود الانسان دليل على حريته اذ يقول ” ان الانسان لا يوجد أولا ليكون بعد ذلك حرا وانما ليس ثمة فرق بين وجود الانسان ووجوده الحر ، انه كائن أولا ثم يصير بعد ذلك هذا أو ذاك انه مضطر الى الاختيار والمسؤولية التي تتبع اختياراته باعتبارها قرارات شخصية مرتبطة بالامكانيات المتوفرة حوله. وبالرغم من منطقية الأدلة الا أن القول بأن حرية المطلقة تتحدى قوانين الكون لضرب من الخيال فتعريف الحرية بأنها غياب كل اكراه داخلي أو خارجي ، تعريف ميتافيزيقي غير واقعي كما أن الارادة ليست قوة سحرية تقول لشيء كن فيكون ، فان الحرية المطلقة أو المتعالية عن الزمن لا واقعية كما أن شعورنا بأننا أحرار نمصدر انخداع وغرور فضلا عن كون الظاهر النفسية ذاتية لا تتوقف عن التقلب ، أما الحرية التي يتحدث عنها بيرغسون هي حرية الفرد المنعزل عن الآخرين والواقع الاجتماعي يثبت بأنها فعل يمارس بينهم وعن تصور سارتر يمكن القول أنه تصور متشائم فهو ينفي الحرية من حيث أراد أن يثبتها فموقفه خيالي ينم عن مدى الأوهام التي تحيط بالأفكار التي طرحها وتبناها.
واذا ما نظرنا الى الرأي المعارض فاننا نجد أن أنصار النفي وعلى رأسهم الحتميون والجبرية من أنصارها الجهمية يرون أن الحرية أمر يستحيل وجوده على أرض الواقع، منطلقين في ذلك من جملة أدلة اذ يرى الحتميون أن مبدأ الحتمية قانون عام يحكمم العالم ولا يقتصر على الظاهرة الطبيعية فقط بل أيضا على الارادة الانسانية ولذلك تكون ارادتنا تابعة لنظام الكون لا حول لها ولا قوة . أما الحتميات التي يخضع لها الانسان متعددة فالحتمية الطبيعية ، حيث أن الانسان يسري عليه من نظام القوانين ما يسري على بقية الأجسام والموجودات فهو يخضع لقانون الجاذبية ويتأثر بالعوامل الطبيعية من حر وبرد وطوفان، أما الحتمية البيولوجية فتتمثل في كون أن الانسان يخضع لشبكة من القوانين مثل نمو المضغة وانتظام الأعضاء واختلالها وكذا الشيخوخة والموت ومن ثم أن كل واحد عند الولادة يكون حاملا لمعطيات اولااثية – الكرموزومات – . أيضا الحتمية الاجتماعية اذ يتأثر بالضمير الجمعي من عادات وتقاليد وأخلاق وأيضا الحتمية النفسية اذا يخضع المرء لعالم لا شعوري من رغبات وشهوات ومكبوتات .كذلك ترى الجبرية ومن أنصارها الجهمية أن كل أفعال الانسان خاضعة للقضاء والقدر لا ارادة له ولا اختيار ، وانما يخلق الله فيه الأفعال على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وتنسب اليه الافعال مجازا كما تنسب الى الجمادات. مثل طلع القوم وجرى الطفل ونزل الرجل كذلك يقال طلعت الشمس وجرى النهر ونزل المطر. لكن على الرغم من منطقية الأدلة الا أن القول بالحتمية لا يعني تكبيل الانسان ورفع مسؤولياته أيضا لم يفرق الحتميون بين عالم الأشياء الآلي وعالم الانسان الذي كله وعي وعقل . كما أن وجود قوانين في الطبيعة لا يعني ذلك أن الانسان غير حر والأسلوب الذي يستعمله أهل القضاء والقدر يدعو الى التعطيل وترك العمل والركون الى القدر واذا كان الانسان مجبرا فلماذا يسأل فيعاقبه القانون الالهي والاجتماعي. مما سبق نصل الى أن هنالك تناقض بين الضرورة الجبرية وأنصار الاختيار فالجبريون ينفون الحرية بصفة مطلقة أنصار الاختيار يثبتونها والنظرة الواقعية للحرية تقتضي تبني موقف وسط وهو ما أكده ابن رشد حيث أن الانسان ليس حرا حرية مطلقة بل حريته محدودة فكل فرد يستطيع البحث عن حظه وفرحه بالطريقة التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لاينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته. أيضا يرى أبو الحسن الأشعري _ قاصدا التوسط بين الجبر والاختيار _ أن أفعال الانسان لله خلقا وابداعا وللانسان ككسبا ووقوعا .
أرى من خلال هذه المشكلة أن الانسان ليس حرا حرية مطلقة بل محدودة لأنه يخضع لعدة حتميات ، كما أنه ليس مجبرا فله الاختيار النسبي في أفعاله وبالتالي فهو بين التسيير والتخيير فالعلم المطلق للخالق و هو امر لا مفر منه في أي عقيدة دينية أي أن الانسان يخضع لقدر الذي وضعه له الخالق ، لكن هنالك حرية اختيار المرء و هو أمر لازم لإثبات مسؤولية الإنسان تجاه أفعاله وهذا ما يبرر العقاب الآخروي في العقائد الدينية.
وفي الأخير نصل الى أن مسألة الحرية ترتبط بجوهر الانسان كما أنه كائن يمتلك حرية الاختيار فان لمكانته دون غيره من المخلوقات أسمى منزلة ، كونه كائنا عاقلا وقادرا على تجاوز كل الحتميات العوائق التي تعترضه ، فابمكانه تجسيد الحرية على أرض الواقع وممارستها عمليا وهو ما يعرف بالتحرر وهذا نظرا لقدرته على التقرير والاختيار وانتخاب الإمكانية من عدة إمكانيات موجودة وممكنة. وهذا يعني قدرة الإنسان على اختيار وتعيين حياته الخاصة ورسمها كما يريد.
تمرين الثالث
المقدمة:
تفطّن كلود ليفي ستراوس إلى أنّ ما يشرّع لقيام علم يهتمّ بدراسة الظّاهرة الإنسانية هو وجود عناصر ثابتة وكلّية تتخطّى التّحديدات الزّمانيّة و المكانيّة، أو بالأحرى بنية تمكّن من استخدام المنهج التّجريبي بشكل ناجع ومفيد.
لكن، ألا يكون هذا النّجاح المنهجي قائما على تجاهل لطبيعة و لخصوصيّة الظّاهرة الإنسانية و رهين استبعاد الإنساني و القيمي و الدّلالي ؟ فهل من إمكان لمنهج يضمن، في آن، الإبقاء على خصوصيّة الموضوع، و تحقيق العلوميّة و الموضوعيّة للعلوم الإنسانية ؟
الأطروحة: إن التّأسيس الفعلي لعلوم الفكر ( العلوم الإنسانية ) يمرّ ضرورة عبر توخّي منهج الفهم و التّأويل.
الأطروحة المستبعدة: لا تنجح العلوم الإنسانية في تحقيق علوميّتها إلا إذا سحبت مناهج العلوم الطّبيعيّة على العلوم الإنسانيّة.
الإشكالية: كيف يمكن تحقيق علوميّة علوم الفكر رغم اختلاف موضوعها الجذري عن موضوع العلوم الطّبيعيّة ؟
أو: هل من سبيل إلى تأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا علميّا يراعي خصوصيّة موضوعها ؟
تفكيك عناصر التّحليل:
الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(
2. إشكال الخيار المنهجي ) التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية.
التّحليل:
1. الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع (
ظواهر الفكر ظواهر الطّبيعة• تدرك في إطار تجربة داخليّة.
التحام الذّات بالموضوع
• معطاة في التّجربة الدّاخليّة في شكل " مجموع معيش " يمتاز بكلّيته و وحدته.
• مهمّة الباحث محاولة فهم التّجربة الإنسانية دون إقصاء القصدي و الغائي و الدّلالي.
• تدرك في إطار تجربة خارجيّة.
فصل بين الذّات و الموضوع
• معطاة في التّجربة في شكل ظواهر مستقلّة و مشتّتة لا رابط بينها.
• مهمّة الباحث تتمثّل في تنظيم و توحيد هذه الوقائع الطّبيعيّة بفضل فرضيّات تحاول الانتباه إلى العلاقات السببيّة الموضوعيّة بين الظّواهر.
و ذلك هو منهج التّفسير.
2. إشكال الخيار المنهجي ( التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية:
• إذا كانت ظواهر الفكر غير ظواهر الطّبيعة، لا يمكن تأسيس علم بها بالاستناد إلى المنهج المعتمد في العلوم الطّبيعيّة كما ذهب إلى ذلك أوغست كونت.
• على العلم الإنساني أن يراعي خصوصيّة الظّاهرة التّي يدرسها و يستبدل التّفسير، من حيث هو يفترض انفصال الذّات عن الموضوع، بالفهم أو التّأويل:
× " فالطّبيعة نفسّرها ": أي نحدّد شروط ظواهرها و العلاقة الثّابتة بين هذه الشّروط، أي نصوغها في قانون. وذلك ما تفعله الفيزياء و الكيمياء و الفلك الخ…
× أمّا الظّاهرة الإنسانية فنفهمها. و هذا الفهم هو المنهج الوحيد الذّي يلائم دراسة الظّواهر الإنسانية. و نعني بالفهم الإدراك الحدسي للدّلالة القصديّة لنشاط إنساني ما. فالفهم جهد نحو النّفاذ، وراء الظّواهر المدروسة، إلى الدّلالات و المقاصد الإنسانية التّي صبغتها الذّوات على تجاربها المعيشة.
العالم الإنساني مدعوّ، إذن، إلى استحضار معيش الآخرين في كلّيته دون عزل المعنى و الدّلالة و القيمة.
يقتضي الفهم نظرة إلى الواقعة الإنسانية في كلّيتها و شموليّتها تبتعد عن التّشتيت و التّجزئة ( Comprendre = Prendre ensemble la totalité du vécu humain ).
مثال : فهم إصلاح قانوني أو قضائي معيّن يستوجب النّظر في المجموع التّاريخي، الاجتماعي و الثّقافي الذي أفرز هذا الإصلاح ( دون عزل و إقصاء و تشتيت و تجزئة و ذلك على عكس علوم الطّبيعة (
إن الوقائع الإنسانية، إذن، لا تدرك من الخارج، كالظّواهر الطّبيعيّة، بل تعاش ضمن تجربتنا الذّاتيّة. و لذلك يسمّي (دلتاي) العلوم الإنسانية بالعلوم الذاتيّة في مقابل العلوم الموضوعيّة.
v الإشكال:
إذا ما سلّمنا بأنّ العلوم الإنسانية هي علوم تعتمد على الفهم و على التّأويل، فكيف يمكن أن تكون لنتائجها و لنظريّاتها صلاحيّة موضوعيّة ؟ ثمّ ألا نسقط في الرّيبيّة و في النّسبيّة حين نرفض مع دلتاي أن تكون هذه العلوم مجرّد تجميع لوقائع منفصلة و مترابطة سببيّا ؟
و هل يقودنا ذلك إلى حدّ الحكم، مع نيتشه، بأنّه " لا توجد وقائع و إنما فقط تأويلات " ؟ بحيث نقابل المثل الأعلى الموضوعي، الذي يسعى العلم إلى تحقيقه، بهوّة ذاتيّة نقع فيها في إطار هذه العلوم ؟
-v تجاوز الإشكال:
لا يجب أن نعتقد أنّ دلتاي يقصي التّفسير نهائيّا و يعتبر أنّ العلوم الإنسانية تكتفي بالفهم. فهو مثلا لا يختزل علم التّاريخ في مجرّد فهم الأحداث أو الوقائع. فالموضوعات التّي يتناولها عالم التّاريخ محدّدة بشكل موضوعي في الزّمان و المكان، و هي من حيث هي كذلك تشكّل جزءا من الطّبيعة الخارجيّة يخضع لقوانين السّببيّة.
لكن إن كانت الظّواهر التّاريخيّة تخضع لحتميّة مشابهة لحتميّة الطّبيعة، فهي تتميّز عن هذه الأخيرة من حيث هي ظواهر ذات دلالة، و هي بما هي كذلك لا تتحدّد فقط بسببيّة موضوعيّة و طبيعيّة، بل كذلك و في نفس الوقت بسببيّة قصديه. فلا يمكن، في هذا السّياق أن نقصي نوايا و مقاصد الشّخصيّات التّي ساهمت في هذه الأحداث.
يجب إذن، في إطار العلوم الإنسانية، أن لا نكتفي برصد علاقات سببيّة موضوعيّة تستبعد كلّيا كلّ ما هو كيفي وقيمي و دلالي ( شأن التّفسير في العلوم الطّبيعيّة )، بل من الضّروري محاصرة البعد الدّلالي و الغائي، والاعتراف بأنّ هذه الوقائع وليدة خيارات قيميّة، غائيّة، أخلاقيّة، سياسيّة، دينيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة الخ…
ينتج عن ذلك أنّه يتوجّب على العلوم الإنسانية أن تعرف كيف تراوح بين التّفسير ( لفهم الشّروط الموضوعيّة للوقائع: رصد سببيّة خارجيّة ) و الفهم ( للامساك بالمقاصد و الغايات و تحديد البعد الدّلالي لهذه الوقائع: رصد سببيّة باطنيّة و قصديه – المعنى ( .
قيل "إن الرياضيات هي العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين في كل الأحوال" إذا بدت لك هذه الأطروحة فاسدة و مع ذلك طلب منك تبنيها فما عساك تفعل ؟
الموضوع الثاني
إذا كانت الحرية مشروطة بالمسؤولية فهل الانسان حر أم مقيد؟
الموضوع الثالث
النص
من حق علوم الفكر أن تحدد بنفسها منهجها بحسب موضوعها. فعلى العلوم أن تنطلق من أعم مفاهيم المنهجية ، وتسعى إلى تطبيقها على مواضيعها الخاصة فتصل بذلك إلى أن تنشئ في ميدانها المخصوص مناهج ومبادئ أكثر دقة على غرار ما حصل بالنسبة إلى علوم الطبيعة. وإننا لا نبين أننا التلاميذ الحقيقيون لكبار العلماء إن نحن اكتفينا بأخذ المناهج التي توصلوا إليها ، ونقلناها نقلا إلى ميداننا ، وإنما نكون تلاميذهم بحق حين نكيف بحثنا مع طبيعة مواضيعه فنتصرف إزاء علمنا تصرفهم إزاء علمهم . إن التحكم في الطبيعة يكون بالامتثال لها. وأول ما يميز علوم الفكر عن علوم الطبيعة أن علوم الطبيعة موضوعها وقائع تبدو للوعي كما لو كانت ظواهر بعضها بمعزل عن بعض من الخارج ، والحال أنها تبدو لنا من الداخل واقعا ومجموعة حية أصلا. والحاصل من هذا أنه لا يوجد في العلوم الفيزيائيّة والطبيعية مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات ؛ أما في علوم الفكر فان مجموع الحياة النفسية يمثل قي كل مكان معطى أوليا وأساسيا. فالطبيعة نفسرها، والحياة النفسية نفهمها
ذلك أن عمليات الاكتساب و مختلف الطرائق التي تترابط بواسطتها الوظائف – وهي العناصر الخاصة بالحياة الذهنيّة- فتشكل كلا ، تمدنا بها أيضا التجربة الداخلية. وهنا نجد أن المجموع المعيش هو الشيء الأولي ، أما التمييز بين الأجزاء التي يتكون منها فلا يأتي إلا في المرتبة الثانية. يترتب على ذلك أن المناهج التي نعتمدها لدراسة الحياة الفكرية و التاريخ و المجتمع مختلفة أشد الاختلاف عن المناهج التي أدت إلى معرفة الطبيعة
اكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص
الأجوبة
تمرين الأول
مقدمــــة :
يراد بالرياضيات ذلك العلم العقلي الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس و المقدار يسمى كما و الكم نوعان : متصل
( الهندسة ) و منفصل ( الحساب ) لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط هذا المفهوم فإن اختلافهم سجل حول مصداقية الرياضيات و هذا ماجعل الكثير منهم يؤسسون اعتقادا خاطئا و تمثل في الإقرار بأن تعدد الأنساق في الرياضيات يعد تعبيرا عن نسبيتها في اليقين ( أنصار النسق الأكسيومي ) بينما الصواب يكمن في ماذهب إليه أنصار الهندسة الإقليدية و الذين أقروا بمطلقيه المفاهيم الرياضية في كل الأحوال
لذا فكيف يمكن التأكيد على صدق هذا الطرح و القائل بأنها ( العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين ) ؟ و ماهي أهم الحجج و البراهين المؤكدة لهذا الطرح ؟ بل ماهي أهم الأخطاء المعرفية و المنطقية التي وقع فيها المخالفون لهذا الاعتقاد ؟
التــــوسيع :
تؤكد الأطروحة منطق أنصار الرياضيات الكلاسيكية القائل بأن الهندسة هي العلم الوحيد من العلوم التي أبدعها الإنسان التي تنتج نتائج معصومة عن الخطأ و أن العمليات الحسابية ترغم الدارس على تقبل صدق نتائجها و مطلقيه الرياضيات هي ناتجة عن اعتمادها لمبادئ العقل الفطرية و كذلك فكرة البداهة و البديهية هي قضية يقينية بذاتها صادقة صدقا مطلقا و لاتحتاج إلى برهان لأنها تدخل في نسيج الفكر البشري و هذا مايعد نفيا لكل اعتقاد قائل بنسبية النتائج الرياضية في اليقين لأن الإقرار بذلك يعد بداية لأزمة اليقين في العلم كما أن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم لأنها تتميز بالدقة و ليس لكونها تتميز بالنسبية .
إن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم لأن الفيزياء أو البيولوجيا قد تبنت خطوات المنهج التجريبي لكن وقعت في مشكل النسبية و هذا ماجعلها تبحث عن تبني المنهج الرياضي من أجل بلوغ الدقة التي حققتها الرياضيات ، من المبادئ التي طرحها إقليدس نجد التعريفات ( التركيبي و التحليلي ) و الواقع أثبت أمه ليس بإمكان أي كان أن يشكك في مصداقية التعريف الذي قدمه هذا الأخير عن المثلث أيضا من المبادئ التي اعتمد عليها إقليدس نجد فكرة البداهة و التي تعد قضايا يقينية صالحة لكل زمان و مكان لأنها تتماشى مع الانسجام الذهني و المبادئ الفطرية التي يمتلكها العقل
أكد ديكارت قيمة اليقين الرياضي من خلال دفاعه على فكرة البداهة و من خلال تأسيسه المنهج الرياضي الحديث و الذي اعتمد فيه على أربعة قواعد أساسية ( البداهة ، التحليل ، التركيب ، الإحصاء ) و في ذلك يقول ديكارت " لاأقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا"
قيمة اليقين الرياضي و البداهة أكدها اسبينوزا من خلال إشارته إلى كون البديهية هي معيار الصدق و معيار الكذب أي أن الرياضيات مادامت معتمدة للبديهية كمبدأ لها فإنه من غير المعقول أن تأسس لأفكار خاطئة و كذلك أكد ليبنتز أنه لايمكن الشك في قيمة الرياضيات لأنه لايمكن الشك في قيمة البداهة لأن الشك في صدق البديهية يعد شكا في مصداقية مبادئ العقل الفطرية و كتعبير عن كل هذا يقول باسكال " إن الهندسة هي العلم الوحيد من العلوم الإنسانية التي تنتج نتائج معصومة عن الخطأ "
3/ نقد الأطروحة :
عرض منطق الخصوم :
لكن في المقابل للأطروحة التي نحن بصدد الدفاع عنها نجد منطقا معارضا أسسه أنصار النسق الأكسيومي و الذين أكدوا بأن الرياضيات لكي تصير لغة لكل العلوم هي ملزمة بأن تتخلى عن فكرة البداهة و المطلقية في اليقين لصالح النسبية ( هوسرل ) ، لقد أكدوا أن تعدد الأنساق في الرياضيات يعد تعبيرا عن تجاوز الهندسة الإقليدية ( بولغان ) إن أهم شيء كانت تفتخر به الرياضيات قد حطمته نظرية المجموعات التي طرحها جورج كانتور ( تحطيم البداهة ) حيث أن ظهور النسق الأكسيومي أدى إلى تصحيح تلك الأخطاء التي وقع فيها إقليدس ( هندسة ريمان و لوباشفسكي )
ب / نفيه :
لكن مايأخذ على طرح هؤلاء أنهم ربطوا قيمة الرياضيات بالنسبية لكن الصواب يكمن في أن تغيير مبادئ هذا العلم يعد بداية لأزمة اليقين لأن تلك العلوم أصبحت تتبنى المنهج الرياضي لم ترد من ذلك تحقيق النسبية لأنها أصلا نسبية بل هي تريد من ذلك أن تحقق اليقين الذي شاهدت وجوده في الهندسة الإقليدية القائمة على المنهج الاستنباطي .
كما أن التعدد في الرياضيات الذي يبدو من ظاهره تجاوزا للهندسة الإقليدية إنه في الأصل مجرد افتراضات أو انساق لاقيمة لها لأنه ماتفسيرنا لاعتماد الهندسة الإقليدية في الدراسات المعاصرة كذلك لأن تحطيم فكرة البداهة هو تحطيم لمبادئ العقل الفطرية و هذا مالا يتقبله العقل لأنه قد جن من اعتقد أن الجزء أكبر من الكل .
كذلك إن الاعتقاد بوجود جملة من الأخطاء في الهندسة الإقليدية هو اعتقادخاطئ لأن الواقع يثبت أن مجموع زوايا المثلث 180 °
خاتــــمة ( حل المشكلة ) :
يمكن التأكيد أن الرياضيات تعتمد منهجا عقليا إستنتاجيا مراعيا لمبادئ العقل الفطرية هذا ماجعلها تتميز بالدقة و اليقين و رغم التطور الذي عرفه الفكر الإنساني و الذي تميز بظهور النسق الأكسيومي و الذي يعد نموذجا عن الرياضيات المعاصرة إلا أن هذا لا يعد تجاوزا لمطلقية المفاهيم الرياضية لان الإقرار بفكرة النسبية يعد تجاهلا لمبدأ البداهة و هذا مالا يتقبله العقل و هذا يعني أن الأطروحة القائلة بأن الرياضيات هي العلم الذي يتميز بالدقة و اليقين صادقة و جديرة بالدفاع عنها و كل أطروحة مخالفة لها فهي باطلة و لا يمكن الأخذ بها .
تمرين التاني
الطريقة جدلية
تعتبر الحرية من أهم القضايا الفلسفية الشائكة والتي دار حولها جدل كبير فهي مشروطة بالمسؤولية . وتعني الحرية تجاوز القيود الذاتية الداخلية والقدرة على تنفيذ الفعل موضوعيا خارجيا فهي غياب الإكراه . وعليه اختلف وتناقض الفلاسفة حول الحرية، فهناك من يثبتها ويرى بأن الانسان حر حرية مطلقة وهناك من ينفيها ويرى بأن الانسان مقيد غير حر . وعليه نتساءل اذا كانت الحرية مشروطة بالمسؤولية فهل الانسان حر أم مقيد؟
يرى أنصار الاثبات والاختيار وعلى رأسهم أفلاطون والمعتزلة وديكارت وكانط وكذا بيرغسون وسارتر أ، الحرية مبدأ مطلق لا يفارق الانسان وبه يتخطى مجال الدوافع الذاتية والموضوعية ويستدلون على ذلك اذ يعبر أفلاطون في صورة اسطورته لهذا المبدأ أن آر الجندي الذي استشهد في ساحة الشرف يعود الي الحياة من جديد بصورة لا تخلو من المعجزات فيروي ويصف لأصدقائه الأشياء التي تمكن من رؤيتها في الجحيم حيث ان الأموات يطالبون بأن يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم وبعد ذلك يشربون من نهر النسيان ليــثا ثم يعودون الى الأرض وفيها يكونوا قد نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون في اتهام القضاء والقدر في حين أن الله بريء وتعالى الله على ذلك علوا كثيرا.
أيضا ترى المعتزلة أن شعور المرء دليل على حريته وهي منحصرة في قرارة نفسه ، اذ يقولون ” فهو يحس من نفسه وقوع الفعل على حسب الدواعي والصوارف فاذا أراد الحركة تحرك واذا أراد السكون سكن “، ويعتقدون بأن القول أن الانسان مسؤول وحاسب على أفعاله دليل على عدل الله .
كذلك يرى ديكارت من خلال قوله ” ان حرية ارادتنا يمكن أن نتعرف عليها دون أدلة وذلك بالتجربة وحدها التي لدينا عندها”.ويذهب كانط الى أن الحرية علية معقولة متعالية عن الزمن ومفارقة له ولا تخضع بأي حال لقيود الزمن. لا اكراه ولا الزام وأن صاحب السوء هو الذي يكون قد اختار بكل حرية تصرفه منذ الأزل بقطع النظر عن الزمن. وهذا بيرغسون يرى أن الحرية هي عين ديمومة الذات والفعل الحر يصدر في الواقع عن النفس وليس عن قوة معينة تضغط عليه فالحرية عنده شعور وليست تفكيرا اذ يقول: ” الفعل الحر هو الذي يتفجر من أعماق النفس” وأيضا يرى سارتر أن وجود الانسان دليل على حريته اذ يقول ” ان الانسان لا يوجد أولا ليكون بعد ذلك حرا وانما ليس ثمة فرق بين وجود الانسان ووجوده الحر ، انه كائن أولا ثم يصير بعد ذلك هذا أو ذاك انه مضطر الى الاختيار والمسؤولية التي تتبع اختياراته باعتبارها قرارات شخصية مرتبطة بالامكانيات المتوفرة حوله. وبالرغم من منطقية الأدلة الا أن القول بأن حرية المطلقة تتحدى قوانين الكون لضرب من الخيال فتعريف الحرية بأنها غياب كل اكراه داخلي أو خارجي ، تعريف ميتافيزيقي غير واقعي كما أن الارادة ليست قوة سحرية تقول لشيء كن فيكون ، فان الحرية المطلقة أو المتعالية عن الزمن لا واقعية كما أن شعورنا بأننا أحرار نمصدر انخداع وغرور فضلا عن كون الظاهر النفسية ذاتية لا تتوقف عن التقلب ، أما الحرية التي يتحدث عنها بيرغسون هي حرية الفرد المنعزل عن الآخرين والواقع الاجتماعي يثبت بأنها فعل يمارس بينهم وعن تصور سارتر يمكن القول أنه تصور متشائم فهو ينفي الحرية من حيث أراد أن يثبتها فموقفه خيالي ينم عن مدى الأوهام التي تحيط بالأفكار التي طرحها وتبناها.
واذا ما نظرنا الى الرأي المعارض فاننا نجد أن أنصار النفي وعلى رأسهم الحتميون والجبرية من أنصارها الجهمية يرون أن الحرية أمر يستحيل وجوده على أرض الواقع، منطلقين في ذلك من جملة أدلة اذ يرى الحتميون أن مبدأ الحتمية قانون عام يحكمم العالم ولا يقتصر على الظاهرة الطبيعية فقط بل أيضا على الارادة الانسانية ولذلك تكون ارادتنا تابعة لنظام الكون لا حول لها ولا قوة . أما الحتميات التي يخضع لها الانسان متعددة فالحتمية الطبيعية ، حيث أن الانسان يسري عليه من نظام القوانين ما يسري على بقية الأجسام والموجودات فهو يخضع لقانون الجاذبية ويتأثر بالعوامل الطبيعية من حر وبرد وطوفان، أما الحتمية البيولوجية فتتمثل في كون أن الانسان يخضع لشبكة من القوانين مثل نمو المضغة وانتظام الأعضاء واختلالها وكذا الشيخوخة والموت ومن ثم أن كل واحد عند الولادة يكون حاملا لمعطيات اولااثية – الكرموزومات – . أيضا الحتمية الاجتماعية اذ يتأثر بالضمير الجمعي من عادات وتقاليد وأخلاق وأيضا الحتمية النفسية اذا يخضع المرء لعالم لا شعوري من رغبات وشهوات ومكبوتات .كذلك ترى الجبرية ومن أنصارها الجهمية أن كل أفعال الانسان خاضعة للقضاء والقدر لا ارادة له ولا اختيار ، وانما يخلق الله فيه الأفعال على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وتنسب اليه الافعال مجازا كما تنسب الى الجمادات. مثل طلع القوم وجرى الطفل ونزل الرجل كذلك يقال طلعت الشمس وجرى النهر ونزل المطر. لكن على الرغم من منطقية الأدلة الا أن القول بالحتمية لا يعني تكبيل الانسان ورفع مسؤولياته أيضا لم يفرق الحتميون بين عالم الأشياء الآلي وعالم الانسان الذي كله وعي وعقل . كما أن وجود قوانين في الطبيعة لا يعني ذلك أن الانسان غير حر والأسلوب الذي يستعمله أهل القضاء والقدر يدعو الى التعطيل وترك العمل والركون الى القدر واذا كان الانسان مجبرا فلماذا يسأل فيعاقبه القانون الالهي والاجتماعي. مما سبق نصل الى أن هنالك تناقض بين الضرورة الجبرية وأنصار الاختيار فالجبريون ينفون الحرية بصفة مطلقة أنصار الاختيار يثبتونها والنظرة الواقعية للحرية تقتضي تبني موقف وسط وهو ما أكده ابن رشد حيث أن الانسان ليس حرا حرية مطلقة بل حريته محدودة فكل فرد يستطيع البحث عن حظه وفرحه بالطريقة التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لاينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته. أيضا يرى أبو الحسن الأشعري _ قاصدا التوسط بين الجبر والاختيار _ أن أفعال الانسان لله خلقا وابداعا وللانسان ككسبا ووقوعا .
أرى من خلال هذه المشكلة أن الانسان ليس حرا حرية مطلقة بل محدودة لأنه يخضع لعدة حتميات ، كما أنه ليس مجبرا فله الاختيار النسبي في أفعاله وبالتالي فهو بين التسيير والتخيير فالعلم المطلق للخالق و هو امر لا مفر منه في أي عقيدة دينية أي أن الانسان يخضع لقدر الذي وضعه له الخالق ، لكن هنالك حرية اختيار المرء و هو أمر لازم لإثبات مسؤولية الإنسان تجاه أفعاله وهذا ما يبرر العقاب الآخروي في العقائد الدينية.
وفي الأخير نصل الى أن مسألة الحرية ترتبط بجوهر الانسان كما أنه كائن يمتلك حرية الاختيار فان لمكانته دون غيره من المخلوقات أسمى منزلة ، كونه كائنا عاقلا وقادرا على تجاوز كل الحتميات العوائق التي تعترضه ، فابمكانه تجسيد الحرية على أرض الواقع وممارستها عمليا وهو ما يعرف بالتحرر وهذا نظرا لقدرته على التقرير والاختيار وانتخاب الإمكانية من عدة إمكانيات موجودة وممكنة. وهذا يعني قدرة الإنسان على اختيار وتعيين حياته الخاصة ورسمها كما يريد.
تمرين الثالث
المقدمة:
تفطّن كلود ليفي ستراوس إلى أنّ ما يشرّع لقيام علم يهتمّ بدراسة الظّاهرة الإنسانية هو وجود عناصر ثابتة وكلّية تتخطّى التّحديدات الزّمانيّة و المكانيّة، أو بالأحرى بنية تمكّن من استخدام المنهج التّجريبي بشكل ناجع ومفيد.
لكن، ألا يكون هذا النّجاح المنهجي قائما على تجاهل لطبيعة و لخصوصيّة الظّاهرة الإنسانية و رهين استبعاد الإنساني و القيمي و الدّلالي ؟ فهل من إمكان لمنهج يضمن، في آن، الإبقاء على خصوصيّة الموضوع، و تحقيق العلوميّة و الموضوعيّة للعلوم الإنسانية ؟
الأطروحة: إن التّأسيس الفعلي لعلوم الفكر ( العلوم الإنسانية ) يمرّ ضرورة عبر توخّي منهج الفهم و التّأويل.
الأطروحة المستبعدة: لا تنجح العلوم الإنسانية في تحقيق علوميّتها إلا إذا سحبت مناهج العلوم الطّبيعيّة على العلوم الإنسانيّة.
الإشكالية: كيف يمكن تحقيق علوميّة علوم الفكر رغم اختلاف موضوعها الجذري عن موضوع العلوم الطّبيعيّة ؟
أو: هل من سبيل إلى تأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا علميّا يراعي خصوصيّة موضوعها ؟
تفكيك عناصر التّحليل:
الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(
2. إشكال الخيار المنهجي ) التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية.
التّحليل:
1. الفرق بين ظواهر الطّبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع (
ظواهر الفكر ظواهر الطّبيعة• تدرك في إطار تجربة داخليّة.
التحام الذّات بالموضوع
• معطاة في التّجربة الدّاخليّة في شكل " مجموع معيش " يمتاز بكلّيته و وحدته.
• مهمّة الباحث محاولة فهم التّجربة الإنسانية دون إقصاء القصدي و الغائي و الدّلالي.
• تدرك في إطار تجربة خارجيّة.
فصل بين الذّات و الموضوع
• معطاة في التّجربة في شكل ظواهر مستقلّة و مشتّتة لا رابط بينها.
• مهمّة الباحث تتمثّل في تنظيم و توحيد هذه الوقائع الطّبيعيّة بفضل فرضيّات تحاول الانتباه إلى العلاقات السببيّة الموضوعيّة بين الظّواهر.
و ذلك هو منهج التّفسير.
2. إشكال الخيار المنهجي ( التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية:
• إذا كانت ظواهر الفكر غير ظواهر الطّبيعة، لا يمكن تأسيس علم بها بالاستناد إلى المنهج المعتمد في العلوم الطّبيعيّة كما ذهب إلى ذلك أوغست كونت.
• على العلم الإنساني أن يراعي خصوصيّة الظّاهرة التّي يدرسها و يستبدل التّفسير، من حيث هو يفترض انفصال الذّات عن الموضوع، بالفهم أو التّأويل:
× " فالطّبيعة نفسّرها ": أي نحدّد شروط ظواهرها و العلاقة الثّابتة بين هذه الشّروط، أي نصوغها في قانون. وذلك ما تفعله الفيزياء و الكيمياء و الفلك الخ…
× أمّا الظّاهرة الإنسانية فنفهمها. و هذا الفهم هو المنهج الوحيد الذّي يلائم دراسة الظّواهر الإنسانية. و نعني بالفهم الإدراك الحدسي للدّلالة القصديّة لنشاط إنساني ما. فالفهم جهد نحو النّفاذ، وراء الظّواهر المدروسة، إلى الدّلالات و المقاصد الإنسانية التّي صبغتها الذّوات على تجاربها المعيشة.
العالم الإنساني مدعوّ، إذن، إلى استحضار معيش الآخرين في كلّيته دون عزل المعنى و الدّلالة و القيمة.
يقتضي الفهم نظرة إلى الواقعة الإنسانية في كلّيتها و شموليّتها تبتعد عن التّشتيت و التّجزئة ( Comprendre = Prendre ensemble la totalité du vécu humain ).
مثال : فهم إصلاح قانوني أو قضائي معيّن يستوجب النّظر في المجموع التّاريخي، الاجتماعي و الثّقافي الذي أفرز هذا الإصلاح ( دون عزل و إقصاء و تشتيت و تجزئة و ذلك على عكس علوم الطّبيعة (
إن الوقائع الإنسانية، إذن، لا تدرك من الخارج، كالظّواهر الطّبيعيّة، بل تعاش ضمن تجربتنا الذّاتيّة. و لذلك يسمّي (دلتاي) العلوم الإنسانية بالعلوم الذاتيّة في مقابل العلوم الموضوعيّة.
v الإشكال:
إذا ما سلّمنا بأنّ العلوم الإنسانية هي علوم تعتمد على الفهم و على التّأويل، فكيف يمكن أن تكون لنتائجها و لنظريّاتها صلاحيّة موضوعيّة ؟ ثمّ ألا نسقط في الرّيبيّة و في النّسبيّة حين نرفض مع دلتاي أن تكون هذه العلوم مجرّد تجميع لوقائع منفصلة و مترابطة سببيّا ؟
و هل يقودنا ذلك إلى حدّ الحكم، مع نيتشه، بأنّه " لا توجد وقائع و إنما فقط تأويلات " ؟ بحيث نقابل المثل الأعلى الموضوعي، الذي يسعى العلم إلى تحقيقه، بهوّة ذاتيّة نقع فيها في إطار هذه العلوم ؟
-v تجاوز الإشكال:
لا يجب أن نعتقد أنّ دلتاي يقصي التّفسير نهائيّا و يعتبر أنّ العلوم الإنسانية تكتفي بالفهم. فهو مثلا لا يختزل علم التّاريخ في مجرّد فهم الأحداث أو الوقائع. فالموضوعات التّي يتناولها عالم التّاريخ محدّدة بشكل موضوعي في الزّمان و المكان، و هي من حيث هي كذلك تشكّل جزءا من الطّبيعة الخارجيّة يخضع لقوانين السّببيّة.
لكن إن كانت الظّواهر التّاريخيّة تخضع لحتميّة مشابهة لحتميّة الطّبيعة، فهي تتميّز عن هذه الأخيرة من حيث هي ظواهر ذات دلالة، و هي بما هي كذلك لا تتحدّد فقط بسببيّة موضوعيّة و طبيعيّة، بل كذلك و في نفس الوقت بسببيّة قصديه. فلا يمكن، في هذا السّياق أن نقصي نوايا و مقاصد الشّخصيّات التّي ساهمت في هذه الأحداث.
يجب إذن، في إطار العلوم الإنسانية، أن لا نكتفي برصد علاقات سببيّة موضوعيّة تستبعد كلّيا كلّ ما هو كيفي وقيمي و دلالي ( شأن التّفسير في العلوم الطّبيعيّة )، بل من الضّروري محاصرة البعد الدّلالي و الغائي، والاعتراف بأنّ هذه الوقائع وليدة خيارات قيميّة، غائيّة، أخلاقيّة، سياسيّة، دينيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة الخ…
ينتج عن ذلك أنّه يتوجّب على العلوم الإنسانية أن تعرف كيف تراوح بين التّفسير ( لفهم الشّروط الموضوعيّة للوقائع: رصد سببيّة خارجيّة ) و الفهم ( للامساك بالمقاصد و الغايات و تحديد البعد الدّلالي لهذه الوقائع: رصد سببيّة باطنيّة و قصديه – المعنى ( .